هل تموت الذكريات؟
سلمان رحيم - دبلن
عشتُ سنوات ما بين الكتب والدفاتر
متنبياً اسمهُ أم هو اسمُ شاعر
أجوائهُ تنبضُ حباّ ومشاعر
وبعبوة جعلت الذكرى في تناثر
خسائر..حياتنا دوماّ خسائر
والذكرياتُ كسائر الخسائر.......
أحببتُ المتنبي كشاعر من خلال شارعه الذي تربطني به جذور ومودّة
.
ينتمي لهذا الشارع العريق الكثير من الأطياف والأجناس وكافة المستويات بحيث تجد الروّاد, شيوخاّ ونساءّ وشباب وأطفال... الكل يبحث عن مبتغاه, طفل يبحث عن دفتر رسم و ألوان وشيخ وجد ضالته في كتاب عتيق وشاب استيقظ من حلمه فساقته قدماه يبحث عن كتيب رومانسي إلى ( ليلاه ) وشاعر بثياب رثّه جاء يبحث عن قصيدة كتبت في زمن المتنبي وفقدت أثناء الحرب ... الحرب التي نجهل تأريخها ومكانها,تلك القصيدة التي أساء فهمها الوالي.
أما أنا فلي ذكريات مع المتنبي شاعراّ وشارعاّ.. مع الشاعر حين بدأت مشواري الفني وتقدمت لدراسة المسرح في معهد الفنون الجميلة فكان أول مشهد اُختبرت فيه هي قصيدة من ديوان المتنبي ( قدّس الله شعره ) ومن خلاله أكملتُ دراستي للمسرح.
أما حكايتي وعلاقتي بالمتنبي كشارع فهي طويلة وممتعة وبعض الأحيان مخيفة.
كنت طالبا في معهد الفنون الجميلة وكان لي زملاء كثار وفي مجالات مختلفة فمنهم من يدرس الموسيقى و الفن التشكيلي و السينما ومنهم من تخصص في الخط والزخرفة وكان أقربهم لي صديقي و أخي ( في الإسلام ) الفنان وائل ألبدري ( أدام الله فنه ), الطالب المثابر التي كتبت عنه الصحافة قبل أن يكون فناناّ, الطالب الذي فرض نفسه على الساحة الفنية من خلال أعماله المتميزة سواء في الخط أو في الرسم, كان متألقا ولا زال مما مكّنه من مواصلة دراسته الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة. كان متواضعا خفيف الظل مبتسما حتى في أحزانه,كان إنسانا قبل أن يكون فنّانا , عصاميا اعتمد على نفسه في جميع مجالات الحياة ,فكانت خطوته الأولى عندما فتح مكتب للخط والرسم في قلب المتنبي, كان متحف يرتاده الروّاد والأصدقاء, كان بيت وملتقى للأصدقاء, الأصدقاء اللذين تجمعهم الذكريات, علي جوده,عادل الركابي,سامي نسيم, سليم علي,حسين علاوي,سلام جبار وآخرون وكل من له علاقة بالفن والأدب.
فيا من تريد لقاءنا تجدنا هناك...هناك كيف تكون الذكريات, فهي موجودة في كل مسا مة من ذلك المكان, المكان الذي خلق من اجل اللقاء والأصدقاء, الأصدقاء الذين أطالتهم معاناة الغربة والاغتراب,منهم من كان في خدمة العلم ومنهم من كان على سفر ومنهم من هو عاشقا,الكل تجمعهم ساعة الصفر بتوقيت القشلة,القشلة تلك الساعة التي رسمت دقّاتها في قلب كل زائر ارتاد الشارع العتيق.
هكذا كان المتنبي شاعرا ملهما وشارعا ملتهبا, ففاجئته أيادي الغدر وأطالته بحقد دفين تعدّى حقد هولاكو لبغداد الثقافة والحضارة والتراث فأحالوه إلى رماد فخاب ظنّهم وتناسوا بأن المتنبي حاضراً في قلوبنا شاعرا وشارع.
وهنا أوجهُ كلامي إلى كل من تضرر في تلك الفجيعة وأخصُ صديقي الفنان البدري باعتباره سفيراً للمتنبي لفترة طويلة... لا تحزن يا صديقي فلك في كل قلب خط وزخرفة.